السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عذبته؟ سَحَبته على الأسفلت؟
ِانسلخ جلد وجهه وأنا أجرّه على الطريق؟
شرّحت جسده بالسيوف والسكاكين؟
ثم قتلته؟ ثم صَلبته على عمود الإنارة؟
الناس فرِحين يصرخون "الله أكبر"!
ثم استرحت أنا ونمتُ قرير العين؟ هنيئاً لي !!
هذه بالضبط هي المأساة الذي حدثت منذ أيام في مدينة الشرقية،
تم سحب وذبح وتعذيب وقتل وصَلب
شابين مصريين (بتهمة) خطفهما لأحد الأطفال وقتله،
العجيب أن هذا الأمر تكرر عشرات المرات خلال العامين الماضيين،
والأعجب هو أن جمهوراً عريضاً يستسيغ هذه الأفعال
بل ويثني عليها بحجة غياب العدل.
هل هكذا يتحقق العدل؟
كيف تكون أنت
الخصم والحكم،
الضحية والجلاد،
كيف تعامل البلطجي ببلطجة أشد من بلطجته؟!
فتتفوق عليه في إجرامه!!
لكن لماذا يَقبل الكثير من الناس هذه الأفعال على
أنها تطبيق لحد الحرابة؟
وماهي الحرابة وما ضوابطها؟
ومن المسئول عن تطبيقها؟
هل يقبلها البعض لإرضاء رغبة في الانتقام والتشفّي؟
هل يجدون لذة في ذلك؟ أم بسبب وازع ديني؟
هل لأن كتب الحديث
تروي قصة رجل قتل امرأته الحامل بأن شق بطنها وسقطت وسقط طفلها ميتاً،
ثم ذهب إلى النبيّ يحكي له كيف قتل زوجته لأنها كانت تسبّ النبيّ محمد،
فلم يعاقبه النبيّ بل أهدر دمها
(سنن أبي داود الحديث 4361 و 4362)؟
هل لأن رجال الدين لم يكلفوا أنفسهم مشقة التحقق من
صحة هذه الأحاديث التي تجعل للإنسان الحق في عقاب
من يشاء كيفما يشاء ثم لا يجد رادعاً؟
هل لأن الآية تقول
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً
أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)، {المائدة 33.34}
ولم يكلف رجال الدين أنفسهم أن يُـفهموا العوام البسطاء
أن هذه الطرق ليست عادله في العقاب..
وأن العالم قد بلغ مرتبة من احترام الإنسان وكرامته
لا تسمح بهذه الممارسات مهما كان الجُرم؟
هل لأن وسائل الإعلام في لا تهتم إلا بالجرائم التي ترتكبها الحكومة فقط؟
لكنهم يغضون الطرف عن جرائم أبشع منها يرتكبها
المواطن في حق أخيه، علناً جهاراً نهاراً على مرئى
ومسمع الجميع، يُربط الرجل في السيّارة ويطوفون به
المدينة والحمقى يهللون "الله أكبر"،
في مشهد وضيع يعود بالزمان إلى عصر الجاهلية
وما هو أدنى منه.
لكن العوام الذي اقترفوا مثل هذه الوحشية والتمثيل
بالأحياء والأموات وصلبهم على أعمدة الإنارة،
هؤلاء ربما لا يعرفون أصلاً القصة السابقة
من سنن أبي داود ولا الآية الكريمة المذكورة،
ولا هم يهتمون بالمشايخ ولا برجال الدين ولا بأبواق الإعلام.
لكنها شريعة الغاب وقوانين الحظيرة،
أن يكون الموت مجانيّاَ،
بلا طعمٍ، ولا حزنٍ، كأن الميتين كلاباَ، أو ذباباً.
لأن المشايخ علمونا أن حد الحِرابة عدلٌ،
وهو تعذيب الأحياء والتمثيل بالموتى.
لأنهم علمونا أن رجم الزاني شرفٌ،
وهو أن تسحق عظامه ببطء في بشاعةٍ حتى يموت.
لأنهم علمونا أن قطع جزء من جسد المرأة عفة،
وهو أن تحرمها اللذة والإحساس بجسد زوجها أبداً.
لأنهم علمونا أن قطع يد السارق هو شرع الله،
في زمان يجاهد الطب فيه ليعيد وصل الأطراف وشفاء المرضى.
لأنهم علمونا أن قتل المرتد واجب،
لأنه مارس جريمة التفكير واعتقد في نفسه ما يشاء.
هل العنف مباحٌ وفيه الشفاء من كل داء.ومارسنا العنف
في بيوتناوفي المدارس والطرقات،
حتى صار العنف شريعة والفوضى قصاص.
علينا جميعاً أن ننتبه، من أن نخرج إلى العالم جيلاً آخر يحركه الحقد
والعنف، وتكون الكراهية شريعته.
علموا أولادكم المحبة والتسامح،
وأن يكون العقل لهم ديناً،
في زمن فشل فيه رجال التربية ورجال الدين
من أن يخرجوا للعالم إلا هذا الجيل الحقود الكاره،
الذي يرى البشاعة ترتكب أمام عينه،
فلا يبكي أو يصرخ أو ينتفض،
نريد جيلاً آخر أفضل منا مختلف الملامح،
عاقلاً مفكراً يقرأ ويتعلم ويسامح.